الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون} طائفة تطلق على الجماعة من الناس. والود هنا بمعنى الرغبة.{ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم} يعني كان مراد بعض من اليهود وبعض من النصارى أن يردوكم عن إسلامكم لماذا؟ لأنهم يعلمون أن الإسلام حق، لكن الإنسان إذا حسد غيره لا يتمنى الخير له. جرت سنة الله في خلقه أن الهالك يتمنى أن يهلك الناس معه. فالذي واقع في سلك المخدرات، والواقع في سلك النساء، والواقع في سلك كذا وكذا من المعاصي والجرائم هو لا يريدك أن تكون معه حبا فيك أو يريد لك الخير، ولكن يدفعه إلى ذلك أن كثرة الناس في الشر تهون الشر على نفسه.وأنت خذها بمثال واقعي بسيط لو أن ابنك أخبرك أن نتيجته في الامتحان غير موفق للمته كثيرا، ولكن لو أن هذا الابن أخبرك أن الفصل كله على هذا النحو لخف لومك على ابنك. وهذا من سنة الله في خلقه ولذلك إبليس لما غوى وتمت عليه اللعنة هم أن يعصي بني آدم كلهم. يريد ويرغب في ذلك حتى لا يقع في الهلاك لوحده. فأهل الإشراك وأهل الكفر من أهل الكتاب لما وقعوا فيما وقعوا فيه ومنعهم الحسد أن يتبعوا نبينا عليه الصلاة والسلام رغبوا في أن يضلوا المؤمنين، والله جل وعلا يقول: {وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون} لأن الله تبارك وتعالى يحمي أولياءه وينصرهم ويمنع عنهم كيد الأعداء.ثم قال الله جل وعلا: {يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون} أي تشهدون. ومفعولها هنا محذوف. والمعنى: أنكم تشهدون البراهين العقلية والنقلية التي تدل على أن الله جل وعلا حق. وكفركم مع كونكم تشهدون الآيات من أعظم الدلالة على العناد والمرض المستقر في قلوبكم. لأن كون الإنسان يكفر ولما تظهر له الأدلة بعد. أمر هين لكن إذا ظهرت له الأدلة وتتابعت وتظاهرت ومع ذلك أصر على كفره فذلك دلالة على الران الذي في قلبه وعلى أنه أبعد إلى الحق منه إلى الباطل.نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال وأن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.تأملات في سورة آل عمران:للشيخ صالح المغامسي
أما لماذا بعث النبي أمي؟فليقطع الله جل وعلا ألسنه المشككين وشبه المعاندين فإن النبي عليه الصلاة والسلام جاء بالقرآن من عند ربه أبلغ كتاب وأعظم عبارات وأجل كلام فلو كان عليه الصلاة والسلام يقرأ ويكتب من قبل لقال عنه الكفار إن هذا الكتاب الذي أتى به أخذه عن من؟ أخذه عن غيره لأنه يقرا ويكتب فما زال يطالع أربعين سنة ثم بعد أربعين سنة من المطالعة والقراءة والكتابة والاستكتاب خرج إلينا بهذا القرآن فبعث الله جل وعلا نبيه أمي لا يقرأ ولا يكتب، قال سبحانه: {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك} يعني لو كنت تقرأ وتكتب {إذا لارتاب المبطلون} العنكبوت (48). لكنه النبي عليه الصلاة والسلام كان أمي لا يقرأ ولا يكتب وهذا من فضل الله جل وعلا عليه.نعود إلى مسألة مهمة فالأمية في حق النبي صلى الله عليه وسلم منقبة وفي حق غيره مثلبة.يحسن بالرجل أن يقرأ ويكتب ولذلك قال الله جل وعلا: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} العلق (1). فلا يأتي إنسان ويقول نحن ننتسب إلى أمة أميه فلا حاجه لأن نقرأ ولا نكتب، هذا النبي عليه الصلاة والسلام أمي حتى يقطع الله على يديه ألسنة المعاندين أما نحن ففي حاجة ملحة لأن نقرأ ونكتب ونزداد علما.وليس الأمي المقصود بها النبي عليه الصلاة والسلام عدم العلم وإنما قلت القراءة والكتابة وإلا العلم شيء آخر، فقد يكون من العلماء من لا يقرأ ولا يكتب يأخذ علمه بالتحصيل ويعطيه بالتلقين.ثم قال سبحانه: {ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون} أي يعلمون أنه لهم وعليهم في الأميين سبيل ثم قال سبحانه: {بلى} هذه {بلى} جواب من الرب سبحانه على دعوى أهل الكتاب ليصبح المعنى بلى عليكم في الأميين سبيل.ثم قال سبحانه: {بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين} هذه من {من أوفى بعهده واتقى} جملة استئنافية و{بلى} منقطعة عنها جواب من الرب سبحانه لما قبلها. أما معنى قول الله جل وعلا: {من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين} أي من عاهد إنسانا على أمانة وردها وأتم العهد فإنه قد أتم الشيء الذي عليه واتقى ربه، وهذا من أسباب حصول محبة من؟ محبة الله سبحانه وتعالى قال الله جل وعلا: {فإن الله يحب المتقين}.ينجم عن الآيات كلها فوائد عدة لأن القرآن إنما أنزل ليكون منهجا يسير عليه الناس:الفائدة الأولى: ينبغي أن تفر في عباراتك وكلامك من ألفاظ العموم لأن ألفاظ العموم تجمع ما بين البر والفاجر والمخطئ والمصيب وليس هذا من العدل في شي. فقلنا هؤلاء يهود ومع ذلك لما تكلم الله عنهم سبحانه فصل ولم يقل جل وعلا إن اليهود كلهم لا يؤتمنون، وهذا أسلوب قرآني يعرفه كل من تدبر القرآن وسيأتي في آل عمران أن الله قال: {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون}. فالإنسان العاقل عندما يتكلم أو يحكم على قوم أو على جماعة أو على دار أو على مدرسة أو على أي شيء أو على أمة لا يحكم حكما عاما ولا حكما جماعيا وإنما يفر من ألفاظ العموم على منهج القرآن الذي بينه الله جل وعلا للناس.الفائدة الثانية: الحق من قول أو فعل يقبل من أي أحد. دل على هذا هذه الآية عن طريق التلميح ليس عن طريق التصريح، ودلت آيات أخر عن طريق التصريح أن الحق يقبل من أي أحد، بلقيس كانت تحكم اليمن وكانت تعبد الشمس كما قال الهدهد: {وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله} النمل (24). لما حصل ما حصل من بعث سليمان عليه السلام الخطاب لها وأخذت تستشير قومها قالت لهم: {قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة} هذا كلام من؟ كلام بلقيس في كتاب الله قال الله بعدها: {وكذلك يفعلون} فالله جل وعلا صدقها على قولها رغم أنها عابدة ماذا؟ عابدة شمس. الكفار القرشيون قال الله عنهم: {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها} الأعراف (28). فذكروا سببين لفعل الفاحشة فلما رد الله عليهم قبل الله الأولى ولم يردها رغم أنهم عباد وثن يعبدون اللات والعزى لكن الله قبل قولهم أنهم وجدوا عليها آباءهم فلم يرد عليهم لكن رد في الثانية جاءت الآية: {قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون} الأعراف (28). لأنهم كذبوا في قولهم أن الله أمرهم بها لكن عندما قالوا: {قالوا وجدنا عليها آباءنا} كانوا صادقين فلما كانوا صادقين أن آباءهم ورثوا هذا الشيء من آباءهم لم يرده الله جل وعلا عليهم.
|